محمد العبيدي ..نقلها المقاتل ميسر العلاف

2 سبتمبر , 2021

       (بين الحياة والموت)

مذكراتي فى سجون وزنزانات دا عش في الموصل

توقفت في الجزء السابق عند قصة الطيار (فيصل حبو) الذي قد دخل للسجن عن طريق ولده الصغير.. ومن خلال تعذيب ولده وترهيبه.. علموا انه كان مرشحاً للانتخابات.. وانه كان طياراً في الجيش العراقي السابق… هذا الرجل.. كان داخل المعتقل قلقاً جداً. أولاً على ولده الصغير المسجون في القاعه المجاوره.. وثانياً على مصير زوجته الثانيه التي هي في الموصل.. لان زوجته الأولى كانت خارج العراق… فقلت له ما سر خوفك على عائلتك التي في الموصل.؟ قال:. إن القاضي الذي يحاكمني هو من أقرباء زوجتي الأولىٰ وكان واحداً من العائله. ولي فضل كبير عليه. وقد ساعدته كثيراً.. فأخاف ان يؤذي عائلتي التي في الموصل بعد قتلي انتقاماً لقريبته (زوجتي الأولى).
ادخلوه للقاضي. فطلبوا منه بعض المعلومات فرفض ان يفصح عنها إلا بشرط أن يخرجوا ولده الصغير من السجن ويعيدوه للبيت.. وبعدها يتكلم.. وفعلاً اخرجوا الطفل من السجن.. ولكن حقيقةَ كان موقفه بطولي.. بأنه رفض ان يعطيهم اي معلومات.. واي شيء يريدونه..
(أيامه الثلاثه الاخيره). كان يصوم.. ويقيم الليل.. ويدعوالله ويبكي في السجود.. وكان يطيل السجود بالبكاء حتى أن السجناء قد لاحظوا ذلك.. اليوم الاخير له في القاعه أو بمعنى أصح الساعات الأخيره من حياته.. ذكر فيها وصيته لأحد السجناء وكان من معارفه. كان يوم الخميس الموافق ٢٥_٨_٢٠١٤..جلبوا لنا طعام العشاء وقام الطيار (فيصل حبو) بأخذ إفطاره.. فأفطر.. وأبقى من طعامه صمونه فارغه (قطعة خبز).. وبعدها قام وصلى المغرب منفرداً.. وبقي في مكان صلاته مستقبلاً القبله.. تارةً يصلي وتارةً يقرأ القرآن. وتارةً يسبح. وأثناء اذكاره وتسابيحه. كنت أنظر إلى عينيه وإذ بها قد اغرورقت بالدموع.. كان يناجي الله كثيراً وكأن بينه وبين الله قرب لقاء.. يرفع يديه عالياً حتى تكون أحياناً أعلى من رأسه.. وهو يبكي ويتوسل الله في دعائه.. وبينما هو كذلك
وهو في مكان مصلاه.. اخذ (الصمونه) قطعة الخبز. وقام بأكلها وبينما اللقمة في فمه. سمعنا أصوات الباب يفتح.. وإذ بفرقة التنفيذ (القتل) بقيادة الدا   عشى (ابوبرزان) ومعه جنوده وكأنهم زبانية جهنم والعياذ بالله.. فدخلوا علينا في تلك الليله. ليلة الخميس على الجمعه.. ونادوا اسماء كلٌ من (عزمي المصري) مرشح انتخابات.. وهذا الرجل كان لايتكلم مع احد نهائياً. الا صلاته وقرآنه.. وأحياناً نراه ونسمعه ينحب بكاءً تحت البطانيه..
قام (أبو برزان) بمنادات (عزمي المصري… وفيصل حبو) عندها علما الاثنان انها النهايه… لم يستطيع (فيصل حبو ) ان ينهض من شدة هول الموقف إذ هو طلب للموت.. اسماء اختارها ملك الموت على لسان المجرم (أبو برزان) فقام احد جنوده برفعه من الأرض.. وبينما هم يحاولون ربط ايديهما نظر فيصل البحر إلى السجين الذي من معارفه..واللقمه لاتزال في فمه وكأن لسان حاله يقول لاتنسى وصيتي… واخرجوهما. وكان اخر عهدي به.. وسمعت بعد خروجي انهم قد قتلوه فعلاً. رحمه الله تعالى (سقطت طائرته. وانقذه طائر النورس أضعف المخلوقات ليعيش بعدها… واخر عهده اسقطه فعل عفوي طفولي من ولده الصغير لينال منه الجبناء ليقتلوه.) ولكن اشهد له والله خير الشاهدين.. انه كان في آخر عهده.. وكأنه ملك وكأنه يخاطب الله ويناجيه. وتعلق قلبه بالصلاة وقراءة القرآن والاستغفار.. وكأنه كان يعلم انها النهايه.. وفعلاً كانت النهايه.. وبعد خروجه.. على تلك الحاله التي كنا جميعاً كمعتقلين نعلم بانهم ذاهبون به نحو الموت… ولا حول ولا قوة الا بالله.. القاعه اعتراها سكون ورهبه.. صمت.. لايجرء احد على الكلام.. أنظر للجدران وكأنها تبكي.. الأرض وكأنها تبكي… وكأنها تقول.. كلكم مقبلون على نفس المصير… انه الموت.. وأي موت.. موت على أيدي كلاب اهل النار…
وفي الصباح فتح الباب. وأدخلوا علينا سجيناً اخر معصوب العينين مكبل اليدين.. ادخله السجان وهو يقوده السجان (أبو أحمد) من الموصل كان طالب كليه… هل تعرفون من السجين.. ومن سجانه الذي يقوده للسجن… السجين كان (الشيخ أكرم عبدالوهاب) مسند العراق الأول. ومن أكابر علماء الموصل.. والذي يقوده للسجن.. كان الد   اعشي (أبو أحمد) وهو تلميذه.. طالباً من طلابه.. في الكليه… الله اكبر هؤلاء لم يجعلوا قيمة حتى لعلماء المسلمين.. وقامات المدينه.. والمصيبه الأدهى والأمر ان الشيخ الاستاذ.. سجانه تلميذه.. وحسبي الله ونعم الوكيل..
الشيخ أكرم عبدالوهاب.. هو استاذي وشيخي ومعلمي وله فضل عليّ في طلب العلم… وكنت معروفاً عنده وعند غيره من العلماء واستاذتي ومعلميّ انني لا أقبل ان اقبل يد احد من الاساتذه.. ليس تكبراَ عليهم أو تكبراً من نفسي.. ولكن كانت هذه طبيعتي.. ولكنني.. وانا وجدت شيخي واستاذي.. ومعلمي.. يقوده تلميذ جاحد.. إلى السجن.. الغايه اهانته (حاشاه). عندها ومن غير مقدمات اندفعت اليه أمام الجميع السجانين والمسجونين.. وكأني أردت أن أبين للجميع أن لهذا الرجل مكانه وقيمه.. فأخذت يده.. وقبلتها.. وانا كلي فخر بذلك محاولاً من فعلتي هذه رد بعض الشيء من اعتباره.. واعلام الجميع بمكانته في المدينه والعالم الاسلامي كيف لا وهو مسند العراق الأول… و ادخلته.. و أعطيته مخدتي… وجلس… وانا محبة واحتراماً ما إستطعت ان اجلس بجانبه….
قومٌ لايجلون عالماً ولايحترمون مقدساً. ياترى أي قومٍ هؤلاء؟؟
اكمل القصه في الجزء القادم اذا كان في العمر بقيه
مذكرات سجين في سجون دا عش بشخبطات بقلم
العطار# محمد العبيدي