قصة بطولة طيار سوري

17 يناير , 2021

 

3

 

 الرائد  الطيار عثمان اصفر..ومن هو الطيار عثمان اصفر..
انه طيار قتال   سوري من سرب ٦٧ بمطار الضمير  من الدورة ١٦ طيارين حربيين  .
اشتبك الطيار عثمان اصفر في حرب تشرين التحريرية مع سلاح الجو الإسرائيلي بضع مرات وآخرها اثناء عودته من مرافقة طائرات السوخوي اثناء هجوم جوي على ميناء حيفا
سقطت طائرة عثمان اصفر عائدا من فلسطين المحتلة قرب بحيرة طبريا متأثرا برمايات الدفاع الجوي الصهيوني
ووقع اسيرا لدى اسرائيل والمذهل معرفة اسرائيل تفاصيل عنا فاسمع الاتي:
من سجلات الاستخبارات في  الحرب السورية. الإسرائيلية ١٩٧٣ ..قال الطيار عثمان اصفر:
ــ في التحقيق بدأ الإسرائيليون يسألون الأسئلة الروتينية المعتادة؛ كل ما يتصل بالاسم الكامل وتفاصيل الهوية الشخصية. والرتبة والقطعة العسكرية التي أعمل فيها. أسماء المطارات، والمراحل التي تدرجت بها فترة التدريب. الضباط الذين أعرفهم، والأصدقاء والمعارف والعناوين المتعلقة بكل تفصيل دقيق، وكل غير ذي بال. لم يتركوا أدق تفصيل مهما بلغ من عدم الأهمية والجدوى، إلا وسألوا عنه، واستفسروا بإلحاح. وكنتُ طوال الوقت أراوغهم وأضللهم قدر الإمكان. هكذا درسونا في الكلية الجوية: ( في حالات الوقوع في الأسر، يجب عليك أن تضللَ العدو. لا تعطِهِ شيئاً من أسرارك العسكرية مهما مورس عليك من ضغوط).
استطرد محدثنا معلقاً حول هذه النقطة الأخيرة:
ــ للأمانة أقول؛ لم تمتدّ يدُ الإسرائيليين إليّ، ولا إلى أحدٍ من الأسرى الآخرين الذين عرفتهم فيما بعد. لم يمارسوا ضغوطاً جسدية ولا لفظية. كانوا يسألون بلهجة محايدة تقريباً، أقرب إلى المجاملة والتهذيب. وكنا نجيب اعتباطاً، وكيفما اتفق. ولم يتوقفوا كثيراً عند إجاباتنا.
بدا لي “تحقيقهم”، وكأنني في منتهى الذكاء، بينما بدوا لنا، نحن الأسرى، وكأنهم أغرارٌ، وغاية في السذاجة والسطحية. وأذكر أن أحد أبرز الأسئلة التي بدأوا بها كانت:
ــ ما هو نوع طائرتك الحربية؟
فأجبت وأنا مسرور بداخلي من إجاباتي:
ــ أنا طيار ميغ 17.
لكأن حطام طائرتي التي هوت في محيط جبهتم كانت مجهولة عندهم، أو كأنهم لا يدركون بعدُ الفروقات التقنية بين الميغ 17 والميغ 21. وزادني سروراً أنهم لم يدققوا أو يتوقفوا عند هذه النقطة أيضاً، إذ لم يُعَقّبوا عليها.
كان عدد المحققين اثنين فقط، عدا المرافقة والحراسة. وانتابني انطباعٌ أوليّ، وكأن ضباط التحقيق الذين كانوا يستجوبوننا، لا يكادون يعرفون كثيراً عن سوريا، ولا جيشها ولا طيرانها، ولا حتى أين تقع قطعاتها العسكرية ومطاراتها. وفي النهاية، قال لي أحدهم:
ــ الله يعطيك العافية. هذا كل شيء. لقد انتهى التحقيق معك.
انتهى التحقيق.؟ أهذا يُسمى تحقيقاً مع طيار في جيش عدوهم، قصفت طائرته قبل ساعات مصفاة نفطهم؟ أهذا هو العدو الإسرائيلي إذن؟ خاصةً أن تحقيقهم لا يوجد فيه، لا فلقة ولا كرباج ولا بساط الريح ولا دولاب ولا صعق كهربائي ولا غيره.
في اليوم التالي مباشرة، استدعوني من زنزانتي، وأدخلوني غرفة أخرى غير السابقة. كانت الغرفة مكتظة بالأضابير في كل مكان: على الجدران، وأمام طاولة المحقق. وفي الزوايا، وعلى الأرض. وكان ثمة محقق واحد يجلس خلف الطاولة، وبدا وكأنه منهمك ومشغول جداً، إلى درجة أن دخولي لم يُثرْ اهتمامه كثيراً. وبعد عدة دقائق صمت، والرجل يقلب في أوراق وأضابير أمامه، رفع رأسه، وبدأ بالسؤال:
ـ أي يا عثمان.. قلت لي إنك طيار ميغ 17 إذن؟ لن ندقق في كل ما قلته يوم أمس، لأنه لا يهمنا كثيراً بصراحة. ولكن يجب أن ننتهي بسرعة، فلا وقت كثيراً عندي: أنت فلان بن فلان. مكان وتاريخ الولادة كذا. درست الابتدائية في مدرسة.. والاعدادية في مدرسة.. دخلت الكلية الحربية شهر كذا من عام كذا.. ثم راح يسرد عليَّ قريباً من نصف ساعة، كل تفصيل عن حياتي، منذ الطفولة وحتى قبل أيامٍ من بدء الحرب؛ تاريخ ترقياتي العسكرية، وأسماء قادتي وزملائي في المطار. حتى علاماتي المدرسية في المراحل الابتدائية، وحتى نهاية المرحلة الثانوية، ذكَّرني بها وهو يسردها بالتفصيل، مادة مادة، وكذلك أسماء أقاربي جميعاً، حتى الموتى منهم، وحتى أقرباء الدرجة الثانية والثالثة، وأسماء زوجاتهم وأبنائهم.
أخيراً، صمت لحظة، وقال:
ـ هل أدركتَ الآن لماذا نحن لم ندقق عليك في التحقيق الأولي يوم البارحة؟ ببساطة؛ لأننا لا نحتاج منك أية معلومة تزودنا بها، لا مدنية ولا عسكرية، ولا فيما يخص أي جانب اجتماعي، أو شأن عام أو شخصي.
ثم أردف وهو يبتسم ساخراً:
ــ يا… يا طيار الميغ 17..
وقبل أن يفرغ من مهمته في التحقيق معي، سألني المحقق فجأة، ودون مقدمات:
ـ يا فلان.. أنت ابن مدينة اللاذقية.. ولا شكّ أنك تعرف أين يقع مبنى “مديرية الأوقاف في اللاذقية”؟
الحقيقة أنني لم أكن أعرف قبلُ؛ أين يقع مبنى مديرية الأوقاف تحديداً. قد يكون تناهى إليَّ بالصدفة موقع الحي العام، أما الشارع وعين المبنى وعنوانه، فلم يكن لديّ فكرة أو معرفة مسبقة، ولا دخلت مبنى مديرية الأوقاف طيلة حياتي. وحين نفيت علمي بمعرفة الشارع والبناء الذي تقع فيه مديرية الأوقاف، نهض المحقق، ونشر أمامي صورة كبيرة بحجم جدار غرفة التحقيق، مسقطة عبر راشق عاكس الصور. صورة مجسمة لمدينة اللاذقية. وكانت تعكس أطراف المدينة الأربعة. ثم عاد إلى سؤالي ثانية، وهو ينتقل بالمؤشر خلال تفاصيل الصورة:
ـ تعتقد المديرية هنا مثلاً؟ أم.. في هذا الحي..؟ قرب السجن..؟ على مبعدة كم كيلو متر من..؟ بجانب الحديقة الصغيرة..؟ أو..
أجبتُ وأنا أحاول التخلص من السؤال، والانصراف من التحقيق على وجه السرعة:
ــ لستُ على يقين. قد تكون بناية الأوقاف هذه أو هذه.. لستُ متأكداً.
وانتهى التحقيق، وأعادوني ثانيةً إلى الزنزانة.
بعد ثمانية أشهر من مكثي في الأسر في إسرائيل، تمَّ تبادل الأسرى بين الجانبين؛ السوري والإسرائيلي، وعدتُ إلى الوطن محرراً، وأنا أشعر بكامل الفخر والاعتزاز والرضى النفسي. جرى التحقيق معنا في سوريا أيضاً، وتمَّ سؤالنا عن كل التفاصيل التي واجهتنا، والظروف التي عشناها خلال الأسر. ونسيت حادثة أسري بتقادم الوقت.
وبعد زمن، كنا نتحادث، أنا وبعض أصدقاء من الضباط السوريين، ممن شهدوا حرب تشرين، فأعدتُ على مسمعهم بعض الحوادث الطريفة من قصتي في الأسر، وكان بين المستمعين ضابطٌ كبير في سلاح البحرية. وما إن أتيتُ على ذكر حكاية سؤال الإسرائيليين عن بناية “مديرية الأوقاف”، وأنا أضحك من السؤال، حتى بادرني ذلك الضابط قائلاً:
ـ هل تعلم لماذا سألوك عن بناية وزارة الأوقاف؟
قلت:
ــ لا.. حتى اليوم لا أعلم، ولا أكاد أستوعبُ سبباً وجيهاً يدعوهم للسؤال عن “مديرية الأوقاف”، والحرب ما زالت مشتعلة في أيامها الأولى؟
قال الضابط:
ـ الحقيقة يا صديقي، أنا كنت من بين الضباط الذين رُشِّحوا لأركان قيادة القوى البحرية قبل الحرب. وقد بُلِّغْنا أن مقر قيادة أركان القوات البحرية سيظلُّ سرياً لفترة، لضمان عدم تسرب، أو معرفة مقر القيادة، حتى لحظة بدء المعركة. وفي الساعة الأولى لإعلان ساعة الصفر، تمّ نقلُنا إلى بناية غريبة ومجهولة، علمنا فيما بعد أنها تحتوي على قبو واسع تحت الأرض، وأن المعركة البحرية ضد الإسرائيليين سوف تدارُ وتقاد من قبو هذه البناية. ثم علمنا فيما بعد، أن البناية تعود لمديرية “أوقاف اللاذقية”، وأن المديرية تقع في نفس تلك البناية. وهكذا، حسب تاريخ وصفك لتلك الحادثة، فإن الاستخبارات الإسرائيلية، كانت على علم بتغيير مقر قيادة أركان القوات البحرية قبلنا، نحن ضباط قيادة الأركان. بل وحتى قبل أن ننتقل إلى مقرنا الجديد في ذلك القبو، وبدء الإشراف على المعركة البحرية أول أيام الحرب.
الطيار عثمان اصفر  ابعد عن السلاح بسبب اتصاله بالبعثيين العراقيين  ودورهم لاستدراج طيارين سوريا بعد الحرب…
واعتقل ثم اطلق سراحه……وعاش في اللاذقية حتى وفاته
الطيار السوري البطل عثمان اصفر..إلى رحمه الله وجنته  كنت بطل منا ومهما حصل ستبقى بطلا في نظرنا.
لروحك السلام
حروب جوية