ذكريات حرب القادسية

29 ديسمبر , 2019
غارة جوية على مدينة بدرة
 للشيخ عبد الوهاب الفياض
  التحقت بخدمة الاحتياط في الايام الاولى لاندلاع المعركة وبقيت في وحدة عسكرية في معسكر الرشيد لمدة اسبوع واحد ، ثم ارسلنا انا و99 جنديا للخدمة في تموين ونقل الفرقة الثانية (قوات خالد) في القاطع الاوسط من جبهات القتال..  كما تعلمون ان صنف التموين والنقل هو من اهم الصنوف المساندة في القوات المسلحة لأي جيش في العالم ، حيث تأمين العتاد والارزاق والوقود وكل ما يحتاجه المقاتلون لتدبير امور معيشتهم في الجبهة.  تم تنسيبي للخدمة في اكداس العتاد ، وهي مهمة صعبة وشاقة وخطيرة جدا من الناحية الامنية والسوقية ، والحمد لله الذي اعاننا على حسن تأدية المهمة على أتم وجه.
في شهركانون الاول عام 1980 وفي صباحٍ بارد قارس ،خرجت مع مجموعة من الجنود ومعنا نائب ضابط (فاحص عتاد) الى اكداس العتاد ال70 والمنتشرة بالجهة الغربية لمدينة بدرة الحدودية ، حيث وصلت تريلة حمراء اللون وفيها 200 صندوق عتاد تحتوي على 400 قنبلة من عيار 122 ملم.
صعد بعض الجنود فوقها للتاكد من اعداد الصناديق قبل التفريغ وهذا ما هو معمول به في كافة اكداس ومخازن العتاد في الجيش..
وفجأة سمعنا مكبرات الصوت في مقر الفرقة تحذر من غارة جوية معادية ، وكان الطيران الايراني مازال فاعلا ، ثم سمعنا ازيز طائرة فالتفتنا الي يسارنا فاذا بطائرة معادية من طراز أف 5 وهي تطير بارتفاع واطيء جدا لا يتجاوز العشر امتار ان لم ابالغ في التقديروتبعد عنا ما لايزيد عن 500 متر على الاكثر..
قفز الجنود من فوق التريلة وصاح بنا النائب الضابط بصوت عال(انبطاح) ، فانبطحنا ومرت الطائرة من فوقنا تماما ونحن نحبس انفاسنا بانتظار انفجار قنبلة او صاروخ ، ولكن والحمد لله مرت بسلام ثم ارتفعت الى الاعلى واتجهت من فوق الجبال الى ايران دون ان تطلق ولو صلية مدفع رشاش ، كانت كفيلة ان تحولنا الى رماد لو اصابت صناديق العتاد .
نهضنا ونحن نحمد الله على سلامتنا وأزيز الطائرة مازال يدوي في صدورنا ، ثم جاء آمر وحدتنا العقيد صبحي رحمه الله مهرولا فصب جام غضبه على سائق التريلة ووجه اليه اقذع الالفاظ ، وقال له كيف تأتي الى الجبهة بتريلة حمراء ايها الغبي ، الم يأتكم أمر وزير الدفاع بصبغ كافة الشاحنات باللون الخاكي !! سكت السائق ولم ينبس ببنت شفة ..
قامت الدنيا ولم تقعد في القاطع وعاقب السيد قائد الفرقة كتيبة الدفاع الجوي ومقاتلي الجيش الشعبي وكل من يجلس خلف سلاح مقاوم للطائرات بعقوبة وقف الاجازات حتى اشعار آخر .
كانت هنالك ثلاث طائرات هليكوبتر من طراز ميل مي 25 والغزال واخرى ميل مي 8 ترابط في ملعب بدرة لكرة القدم ، فشاهدناها تقلع الواحدة بعد الاخرى بعد دقائق من الغارة ثم هبطت بين اشجار النخيل الكثيفة في بدرة ..  كما اتصل السيد رئيس اركان الفرقة بآمر وحدتنا وقال له أبعد جنودك عن أكداس العتاد وادخل وحدتك بحالة التأهب القصوى ولا تقتربوا من اكداس العتاد ابدا !.ً     بعدها علمنا ان السيد قائد الفرقة قد اخبر ضباط الفرقة ان هذه الغارة استطلاعية وسيرسل العدو طائرة اخرى ستضرب الطائرات واكداس العتاد بالتحديد .   ووالله لقد صدق حدس القائد ، فارسل العدو طائرة فانتوم لتغير على القاطع ، عندها اشتعلت الأجواء على الطائرة بما رحبت من نيران اسلحة الدفاع الجوي المتعددة ، فتم اسقاطها وأسر طياريها وكانا برتبتي نقيب وملازم اول ..وبعد التحقيق معهما تأكد كلام القائد بالضبط حيث قالوا انهم ارسلوا لتدمير اكداس العتاد والطائرات الثلاث الموجودة في القاطع
..  عندها كانت فرحتنا لا توصف ، تم بعدها الغاء عقوبة وقف الاجازات واستبشر الضباط والجنود بهذا الانجازالذي جاء بعد استعداد وجهوزية لا سابق لها في القاطع ..  والى ذكريات اخرى باذن الله
  1. airforce - ديسمبر 29th, 2019 at 8:59 ص

    شكرا شيخ عبد الوهاب ىالفياض لهذا المقال مع التقدير