ألقوات المسلحة والأمن الوطني

30 يوليو , 2023

 

             نظرة سريعة لما يعنبه الأمن الوطني وعلاقته بالقوات المسلحة

مقدمة

قد يقول البعض أن القوات المسلحة أو الجيش كما يصطلح على تسميته محلياً ليس هو الوسيلة الوحيدة التي تحقق الأمن الوطني والاستقرار ويمكن أن يكون هذا الكلام صحيحاً لو كانت البلاد  تعيش في ظروف طبيعية لا يتعرض أمنها الوطني إلى تهديدات جدية سواء كانت داخلية أو خارجية وفي مثل هذه الحالة  فإن القوات المسلحة تعتبر بمثابة صمام الأمان ووجودها يعني ضمان سيادة الوطن وأمنه  واستقلاله.

القوات المسلحة

لو توقنا قليلا عند مفهوم القوات المسلحة وما تعنيه وأهميتها في مجال الأمن الوطني لوجدنا انها لا تعني وجود قوات مسلحة تضم تشكيلات قتالية وأسلحة مختلفة ولكن ما نقصده بهذا المفهوم أن هذا القوات هي عبارة عن :

منظومة معقدةً بسبب طبيعة عملها والدور المطلوب منها لأنها تتعامل مع أسلحة ومعدات مختلفة وأشخاص مطلوب منهم الوصول إلى مستوى من المهارات العلمية والعملية حتى يكونوا قادرين على استخدامها وفق ما مصمم لها في كافة الظروف والأحوال خصوصاً بعد دخول التكنولوجيا ومنظومات الأسلحة والقيادة والسيطرة الحديثة وهي بنفس الوقت مطلوب منها أن تحقق هدف سياسي، عسكري تحدده القيادة السياسية من خلال نظرية سياسية وعقيدة عسكرية .

لذلك فإن القوات المسلحة لا بد وأن تنمو في رحم السياسة لأنها وسيلة تحقيق أهداف السياسة عندما تعجز الوسائل الأخرى وهذا يفرض على القيادة السياسية أن لا تفسح المجال لاستخدام القوات المسلحة لتحقيق مصالح شخصية لقوى أو أحزاب سياسية وأن لا تدع مجالاً لتلك القوى أو الأحزاب أو الأفراد لأن يوجهوا سياسة القوات المسلحة لتحقيق مصالحهم .

كما ينبغي على منتسبي القوات المسلحة أن لا يتدخلوا في السياسة وأن يعلموا أن ولائهم للوطن وأنهم حصة الجميع وليسوا حصة فئة أو حزب وأنهم يعملون في كل الظروف والأحوال تحت علم الدولة ومن أجل الدولة والشعب.

إن القوات المسلحة تصبح خطرة جداً إذا ما بنيت أو تأثرت أو استخدمت لتحقيق أهداف ومصالح القادة السياسيين ومصالح المؤسسات التي تبغي النفع الخاص، وقد يساء استخدامها وزجها في الحروب من أجل تلك المصالح. وهناك أمثلة تاريخية ومعاصرة في إساءة استخدام هذه القوات. فهناك حروب شنت من أجل السمعة وكسب التأييد الشعبي وهناك حروب شنت من أجل مصالح اقتصادية أو فرض النفوذ والهيمنة وهناك حروب شنت للتخلص من مواقف سياسية بالغة التعقيد وهناك قادة سياسيون اعتمدوا سوق (استراتيجية) الخطورة العالية وخاطروا بقراراتهم السياسية التي أوصلتهم إلى استخدام القوات المسلحة في حروب غير متوازنة وغير مهيء لها وكانت نتيجتيها الكوارث.

وبالوقت الذي تخضع فيه الحرب لمصالح السياسيين الخاصة أو مصالح المؤسسات فإنه في الجانب الآخر فقد يأخذ العسكريون دوراً آخر في التأثير على قرار الحرب  أو الأستخدام في مجالات الأمن الداخلي  من خلال محاولتهم كسب السمعة والشهرة في بعض الأحيان أو الرغبة في التعظيم الشخصي وتعزيز الهيبة الوظيفية في أحيان أخرى. أو تقديم معلومات استخبارية تتماشى مع رغبة المسؤولين من أجل إرضائهم من أجل المكسب الوظيفي أو المادي أو الخشية والخوف في بعض الأحيان، ومن أجل ذلك يستخدمون جدلاً بارعاً للبرهنة على دقة وصحة نظرياتهم وخططهم وهكذا تستخدم القوات المسلحة في مسارات أخرى غير المخطط لها أصلاً.

ولقد أصاب الجنرال مايكل هاندل في كتابه الحرب والسوق (الأستراتجية) والأستخبارات بقوله “قد تمنح السياسة الحرب غرضاً عقلانياً على مستوى معين ولكنها تسلبها عقلانيتها الخاصة في مستويات أخرى عديدة”[1].

إن عملية بناء القوات المسلحة عملية معقدة  ولا يجوز أن يعتمد صانعوا القرار على النموذج الجاهز في عملية البناء لأن في ذلك خطورة كبيرة وضياع في الوقت والجهد لذلك تدعوا الضرورة الى أن يتولى عملية البناء  أشخاص ذوي خبرة واسعة ودراية ومن أجل تحقيق هذا الهدف الحيوي الذي يجب التوصل أليه وهو: بناء  قوات مسلحة كفوءة وحيادية مع الاخذ بنظر الأعتبار الموازنة الدقيقة بين الكم والنوع للتوصل الى النموذج الملائم للبلاد المنسجم مع التقاليد الأجتماعية والتاريخية والعقيدة السياسة والعسكرية والقدرات الاقتصادية وتيسر القدرات البشرية ومستواها ،  كل هذه العوامل يجب أن تدرس بعناية وتناقش لأقرار النودج الأفضل .  كما ينبغي أن يفهم المعنيون بعملية البناء أن هذه  العملية  يجب ان تنتج قدرة عسكرية قادرة على تحقيق الأهداف المرسومة لها . لذلك يمكننا القول بأن القوات المسلحة هي  مؤسسة الغرض منها توفير( قدرة تدعم أمن البلاد ) وإذا ما حاولنا فهم معنى القدرة من الناحية العلمية والعملية نجدها أنها حصيلة (الكم X النوعية المادية X النوعية غير المادية).

يقصد بالنوعية المادية نوعية وأداء الأسلحة وتشمل (النوعية ، السرعة ،الدقة ، المدى ، القوة النارية ، الموثوقية ، قدرة التحمل ) أما النوعية غير المادية فتشمل على         ( القوة البشرية ، مستوى التدريب ، المعنويات ، نوع العقيدة ، التنظيم ، التخطيط ، القيادة ) كل هذه العوامل لايمكن قياسها بدقة لذا يكون هذا البعد الغير المادي أكثر صعوبة في الأدراك والتحديد.

 

  القوات المسلحة والأمن الوطني

أستنادا لما ذكرناه آنفاً نجد أن القوات المسلحة تصبح ركيزة أساسية في تحقيق الأمن الوطني من أجل حماية البلاد تجاه كافة أشكال التهديدات الداخلية والخارجية لكن ذلك لا ينبغي أن يلغي دور وأهمية عناصر الأمن الوطني الأخرى (أقتصادية وسياسية وأجتماعية) التي لها دور كبير في تحقيق الأمن الوطني الذي يمكن التطرق له بأيجاز :

يشمل الأمن الوطني أبعاداً متعددة، اقتصادية واجتماعية وسياسية وعسكرية، ذات مكونات عديدة. وهي الأبعاد الرئيسية للأمن الوطني. هناك أبعاد أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، وهي بديهية، أو موجودة دائماً ومؤثرة، وهما البعد الجيوبوليتيكي، والبعد التقنـي. والأخير يعتبر تطوراً مسايراً لمتطلبات العصر، لذلك يلحقه بعض الباحثين، كأحد أهم مكونات البعد الاقتصادي.

يرتكز الأمن الوطني على قوى متميزة لحمايته، وهي في مفهومها الأولي عسكرية، إلاّ أنه من الممكن أن تكون سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. ولكن القيم الداخلية للمجتمع، بكافة أنواعها، هي الأولى بالحماية، وهي تشمل الأبعاد السابقة جميعها.

يجب أن تبنى سياسة الأمن الوطني ، على تخطيط لسياسات وأهداف واضحة ومحددة ، مع السعي لتنفيذها .

إن المفهوم الشامل للأمن الوطني، لا يجب أن يحجب مفهوم الأمن الوطني الخاص، بكل بعد من أبعاده، الذي يجب أن يكون واضحاً مسبقاً، قبل الوصول إلى مفهوم أمني شامل.

في حالات معينة كثيرا ما تتجه الدول التي يتوافر لها عناصر القوة إلى العدوانية، لتغيير سلوك الدول الأخرى بما يتفق مع مصالحها الوطنية كما نلاحظ ذلك لدى الدول الكبرى أو الدول التي تمتلك قدرات عسكرية كبيرة  . بينما تنحو الدول الأقل قوة أعتماد أمن وطني يهدف الى المحافظة على حقها في البقاء في خضم الصراع الدولي.

قد يأخذ البعد البعد الديني والعقائدي أهمية خاصة في مفهوم الأمن الوطني لدى بعض الدول التي توظف هذا العامل لأغراض سياسية، ولكن لاينبغي أن يسيطرعلى العناصر الأخرى ويفقدها  أهمياتها الحقيقية ودورها في تحقيق الأمن الوطني.

أشار بعض الدارسين إلى العناصر الجغرافية للدولة، كأحد أبعاد الأمن الوطني. وهي بلا شك ذات أثر فعال في تكوين ذلك الأمن، من حيث إضفائها القوة أو تسببها في ضعف للأبعاد المكونة للأمن، وهي بذلك تكون مصدر تأثير غير مباشر، في الأمن الوطني يجب ألا تغفل.

بعد هذا العرض الموجز للأمن الوطني وجدت ان أفضل تعريف للأمن الوطني هو ما ورد في دراسة العقيدة العسكرية ومرتكزات السوق العراقي وكما يلي  :

الأمن الوطني هو كافة الجهود التي تبذلها الدولة للحفاظ على كيانها وقيمها الذاتية  ومصالحها  تجاه كافة أشكال التهديدات ، ومن البديهي ان يتضمن مفهوم القيم الذاتية الغاية الوطنية بمعناها الشمولي وهي عبارة عن التطلعات والطموحات الوطنية التي تسعى الأمة لبلوغها من خلال أهداف محددة وتعتبر الغاية الوطنية محصلة لمختلف قوى الشد والدفع التي تحركها التطلعات التاريخية والدينية والعسكرية والإيديولوجية والتي تشكل فيما بينها الإطار العام لتلك الغاية وترسم بالتالي شكل ومحتوى الأهداف الوطنية في مراحلها المتتالية .

[1] الجنرال مايكل هاندل – الحرب والسوق والأستخبارت – ترجمة فالح عبد القادر – دائرة التدريب –  مديرية التطوير القتالي- سلسلة الثقافة العسكرية رقم 175 – بغداد 1995