يوميات_مسيطر_جوي

29 سبتمبر , 2020

بقلم مالك عبد القادر

كيف ولماذا حدث هروب المدعوين لحفل الزفاف بسبب طائرة

فيض من الذكريات تتقاطر بعد سنين العمر التي مرت لا زالت الذاكرة تختزنها دون أن تغادرها ، كلما تذكرتها أضحك منها لانها أحداث لا تخطر على بال أحد وأن رويت لربما لا تصدق، فهي أسرار لا يعلم بها أحد، رغم أني لم أعمر طويلاً في عملي، بتلك الكلمات يروي المسيطر صادق حميد هذا الحدث الذي جعل المدعوين يهربون من حفل الزفاف.
في أحد أحياء بغداد الراقية كان هنالك حفل زفاف في بيت من بيوتها في تلك الفترة، من التقاليد والعادات التي كانت دارجة بتلك الفترة، أن يجتمع بها الاصدقاء والاقارب والاحباب في ثلاث مناسبات في حفلات الطهور” الاعراس” الفواتح” وكانت تقام تلك الولائم – والوضائم؟ أمام المنازل أو في حديقة الدار إن كانت مساحتها كبيرة، لم تكن هنالك قاعات كما في وقتنا الحاضر، عصر يوم الخميس من صيف عام 1978 اجتمع الاحباب والاصدقاء والاقارب في دار ذلك الشخص للمشاركة والاحتفال بفرحة العائلة بدخول ابنها بالقفص الذهبي.
مطار المثنى تأسس 1932 وهبطت أول طائرة مدنية في سنة 1936 وهو يعتبر أول مطار مدني في بغداد وكان يستقبل الطائرات المدنية القادمة الى بغداد لنقل المسافرين والبريد منها وإليها، يطلق علية “مطار الوشاش” لقد كان مطاراً مشتركاً بين القوة الجوية والرف الجمهوري وهيئة الطيران المدني وجمعية الطيران للهواة.
حين تم الشروع ببناء مطار جديد بعيداً عن العاصمة غربها بمسافة 16كم، بديلاً عن مطار المثنى ليتلائم مع متطلبات التقدم السريع في عالم الطيران، لعدم تمكن مطار المثنى من تلبية تلك المتطلبات، ونفذ المشروع بواسطة الشركات البريطانية والفرنسية بطاقة استيعابية 7.5 مليون مسافر سنوياً، وتم تسميته بمطار صدام الدولي وبعد العام 2003 تم تسمية المطار بمطار بغداد الدولي.
برج سيطرة مطار المثنى (العلاوي) كان الملازم المسيطر صادق …. ضابط خفر لذلك اليوم؟
يروي الملازم المسيطر صادق ما جرى في تلك الساعة من عصر الخميس حيث كانت “جمعية الطيران للهواة تفتح دورات للمشاركين فيها من هواة الطيران أو من محترفي الطيران العسكري أو من لم يسعفه الحظ في التقدم لجعلها المهنة الرئيسية وأختار مهنة أخرى، لكن بقي شغف حب الطيران وقد وانت له الفرصة من خلال الجمعية”.
أقلعت طائرة “Cessna 172” التابعة لجميعة الطيران بقيادة الطيار الكابتن أحمد السامرائي بعد طلب السماح بالتشغيل والدرج والإقلاع وتم تخصيص منطقة طيران “zone” فوق التاجي ومضى الوقت، وعادة ما تكون هذه الطلعة تستغرق ساعة من الزمن أو أقل.
بعد أكثر من عشرين دقيقة رن الهاتف فرفعت السماعة مجيباً برتبتي وأسمي وكان على الطرف الآخر عرف بنفسة أنه بعد التحية والسلام قائلاً ” أنا عميد ركن … من المنطقة الراقية في بغداد! لقد كان يتكلم بعصبية وارتباك مشوباً بالخوف والحزن، قائلاً” أخي أنا لدي مناسبة زفاف ابني وجاء الناس ملبين دعوتي لهم من الاصدقاء والاحبة والاقارب.
أكمل الحديث قائلاً ” لقد جاءت إحدى الطائرات التابعة لمطاركم وأنا أعرفها وقامت الطائرة بعمل الألعاب الجوية بأرتفاعات واطئة جداً فوق داري! قلبت تلك المناسبة الى مأتم خوفاً ورعباً من أن تسقط تلك الطائرة فوقنا هرب المدعوين وتركوني بموقف مخجل! وأنا أستمع لتلك التفاصيل مندهشاً؟ وأكمل حديثة قائلاً” أرجو منك أن تكتب كشف على وجة السرعة على ذلك الطيار الملعون، الذي أفسد مناسبتي ووعدته خيراً بعد أن سجلت الاسم والعنوان والشكوى على مسودة بجانبي.
راودني الشك محاولاً أن أتحقق من الأمر قمت بالاتصال بالطائرة عبر جهاز اللاسلكي لكي أتأكد من الكابتن أحمد السامرائي؟ ناديت برمز النداء الخاص به! أجاب ندائي شخص أخر غير الكابتن أحمد وكنت متفاجأً!! بل كان الصوت لشخص أعرفه أنه …… فقلت له بعد الهبوط أتصل ببرج السيطرة لامر هام.
رن جرس الهاتف تناولت السماعة ملازم صادق تفضل قال مرحباً كيف حالك، أجبته أهلا بك سيدي قال تفضل” قلت له سيدي أتصل بي عميد ركن طالباً تقديم شكوى ضدكم؟ ضحك قائلاً” لقد كان لي أشكال مع هذا العميد! وقد أنتهيت من هذا الإشكال بلتقينه درساً من الجو ليعرف ويقف عند حدوده، قال أنت ستكتب الكشف ضدي! أجبته سيدي كيف أكتب كشف ضد سيادتكم، إنك ….. لايمكنني أبداً أن أقوم بذلك تقديراً ولسمعتك الكبيرة، شكرني وأغلق الهاتف.
من المتعارف بين العشائر عندما يكون هنالك مشاكل كبيرة بين الطرفين يقوم أحد الطرفين بتحذير الطرف المعاند وأجباره للجلوس الى طاولة المفاوضات وتسمى ” بالدكة العشائرية” من  الغريب في الأمر أن القصة أود تسميتها “بالدكة الجوية” والتي حصلت لمرة واحدة لن تتكرر وأنا على علم ويقين بالإمكانيات والمهارة التي يتمتع بها ذلك الطيار الذي قاد جميع الطائرات في القوة الجوية العراقية.
بتلك الذكريات التي تختزنها الذاكرة ورغم بساطتها لكنها تمثل التاريخ التي تمثل شعب وأمة ورجال كان همهم أن يكون رزقهم حلال وطيب من خلال صيانة الامانة … شكراً للزميل صادق حميد وشكراً لسعادة اللواء حازم حميد لإرسال هذه القصة الجميلة وإلى قصة أخرى من يوميات مسيطر جوي.
بقلم مالك عبد القادر المهداوي