عِندَما تتداعى علينا الأُمَم

13 أبريل , 2020
 مقال منقول
في تمام العاشرة والنصف من تاريخ الرابع والعشرين من أيلول سنة 1983. وبينما كان العراق في ذروة حربه مع إيران الطامعة في أراضيه، تدق صافرات الإنذار في قيادة قاطِع الدفاع الجوي الرابِع محذرةً من مقاتلتين اخترقا وبسرعة كبيرة أجواء جمهورية العِراق، لكن هذه المرة من جهة تُركيا لا إيران!
صدرت الأوامر من قيادة القطاع الرابِع في الدفاع الجوي لمقاتلات السرب 89 المتمركز في قاعدة القيارة بالإنطلاق لتنفيذ عملية الاعتراض.
انطلقت في وقتها مقاتلين من طراز ميراج F1 يقود إحداها الملازم الأول في وقتها خالد جهاد رغيان الدليمي، حيث تمكن التشكيل المُدافِع حينها من الإقلاع خلال أقل من 60 ثانية بعد استلامه الأوامر والإحداثيات!
بعد الإقتراب من المقاتلتين، سارعت إحداهما للمناورة والخروج من الأجواء العراقية، أما الثانية فتم التعرف عليها على إنها طائرة مقاتلة من طراز (F-100 Super Sabre) تحمل الرمز التعريفي لحلف شمال الأطلسي (النيتو).
تلقى الملازم الأول خالد جهاد الدليمي أوامر مباشرة من قائد قطاع الدفاع الجوي بإسقاطها دون العودة للقيادة العامة للقوات العراقية المسلحة. وبالفعل، تم الإشتباك معها وإسقاطها بصاروخ (Matra Super 530F) ثم تنفيذ إنزال بالمروحيات على حطام الطائرة الذي سقط في وادي زاخو ضمن الأراضي العراقية وأسر الطيارين.
بعد التحقيق مع الطيارَين، تبين أنهم ضباط في سلاح الجو التركي أقلعوا بطائرتهم من قاعدة (أنجرليك) في طلعة (تدريبية) واخترقوا الأجواء العراقية (عن طريق الخطأ). وسأكتفي هنا بالقول أن من يملك فكرة عن رادار حلف النيتو ومركز التحكم والسيطرة في قاعدة (أنجرليك) يدرك أن الأمر لم يكن خطأً، بل كانت بالأحرى عملية جس نبض واستطلاع عميق للأجواء العراقية.
بعد ساعات قليلة من الإشتباك الجوي، هبطت طائرة تُقِلُ ضباطاً كباراً من حلف النيتو ليقدموا اعتذارهُم عن الخطأ (غير المقصود).
بعد أسبوع من التحقيق مع الطيارين، تم تسليمهم لسفارة بلادهم في بغداد. لم يُعلَن عن (الحادثة) في وقتها، وانتظرت تركيا زهاء الثلاثين عاماً حتى تكشف في 2012 عما حصل في  العام 1983.
والسؤال هنا، لماذا كان حِلف النيتو حريصاً على فتح جبهة جديدة على العراق واستنزاف موارده وإشغال دفاعاته الجوية وأسرابه المقاتلة مع تركيا بدل قتال إيران؟
الجواب بسيط، كان المطلوب آنذاك تشتيت العراق ومنعه من النزول بثقله العسكري كاملاً لحسم المعركة مع إيران.
وهذا ما أدركه الضباط الركن في الجيش العراقي آنذاك، فكان ردهُم فورياً وبالقوة المجردة والضربة الواحدة التي لا تُثّنى لمنع تكرار هكذا خروقات.
المحزن في الأمر، أنه وفي العام 2012 اغتالت المخابرات الإيرانية المقدم خالد جهاد الدليمي في بغداد.
فالطيار العراقي الذي أسقط المقاتلة التركية التي أقلعت بدورِها من قاعدة أمريكية في الأناضول، اغتالته المخابرات الإيرانية في بغداد بتوجيه من قادتها في طهران!
عندما تتداعى علينا الأُمَم
facebook_1586847180896