صقر من بلادي /2

2 نوفمبر , 2017

 

عنوان صقر من بلادي 1

 

قصف اهداف في مدينة اصفهان

يرويها احد صقور السرب 97 الابطال 

حاوره ل ط ر د علوان العبوسي

3 / 11 / 2017

نبذة تاريخية موجزة

القصف الجوي أسرع من الصوت

الطائرة ميج / 25 اختصاصية للتصوير الجوي بالارتفاعات والسرع العالية جدا ، للضرورات القصوى في الحرب مع ايران ولغرض انهاء هذه الحرب استخدمت كافة السبل  لانهائها منها القتالية والابداعية قام بها  ابطال العراق في سلاح الجو والقوات المسلحة والتصنيع العسكري في تطوير واستحداث العديد من الاجهزة والمعدات اسهمت بشكل مهم في انهائها وتجرع خميني السم  .

اذن كانت الحرب مع ايران عبارة عن مختبر أنجزت القوة الجوية والدفاع الجوي الكثير من الإنجازات منها النظرية والعملية والتطويرية لتحسـين الأداء وتصحيح الأخطاء والاستفاده من دروسها ، من الأمور التطويرية تحوير منظومة الاستطلاع التصويري لطائرة الميج/ 25 وجعلها منظومة لقصف القنابل بسـرع وارتفاعات عالية جداً «ارتفاع 23000 متر وسـرعه 2.5 ماخ» إضافة لواجبها الرئيسـي الاستطلاع التصويري ، ففي عام 1985 قامت مجموعه من مهندسـي وفنيي القوة الجوية تقديم دراسة حول إمكانية استخدام منظومة التصوير لطائره الميج/25 (بيلنك) للقصف الجوي وقام امر السرب/ 97 باجراء تجربة على جزيرة خرج النفطية وكانت النتيجة مقبولة ، تم مفاتحة الخبراء الروس العاملين في قاعدة تموز الجوية استحسنوا هذه الفكره وتعهدوا باسناد المشـروع الذي لم يسبق للاتحاد السوفيتي استخدام هذه المنظومة لهذا الغرض ،استغرقت التجارب حوالي شهرين تم خلالها استخدام القصف النظري والعملي باستخدام القنابل التشبيهية على ميدان رمي قاعدة تموز الجوية بداً بسـرع 1.5ماخ وارتفاع 20000 متر وصولا إلى سـرعة 2.5 ماخ وارتفاع 23000 متر وكانت النتائج المحصل عليها مشجعة حيث كانت نسبة الخطأ لا تتجاوز 1000 متر ثم تحسنت إلى 500 متر بعدها حصلت الموافقة على استخدامها عملياً على أهداف إيرانية بعد أن تم صنع قنابل  بمواصفات خاصة بخبرة عراقية في هيئة التصنيع العسكري ذات قدرة على تحمل السـرع ودرجات الحرارة العالية جداً زنة «400 كلغم»  في 15/9/1985 عقد اجتماع موسع في قاعدة تموز الجوية حضـره مدير الاستخبارات والاستطلاع الجوي اللواء مظهر محمد الفرحان ( رحمه الله )مع خبراء الأسلحة والاستطلاع الروسي وآمر السـرب 97 ميج/ 25 الاستطلاعي  والمهندسـين والفنيين العراقيين وتم القرار على استخدامها عملياً  على الاهداف الايرانية وتحسنت النتيجة لتصبح دون 300 متر وهي نتيجة مقبولة للقصف المساحي ، استمر التنفيذ على أهداف أخرى ودرب كافة طياري السـرب المذكور على هذا النوع من المهام ، علما كان يتم تصوير منطقة الهدف والاصابة في نفس الوقت ، عادة كانت الحمولة المستخدمة لهذه المهام( 4 × 400 كلغم )، وقد ساهمت طلعات الميج/ 25 بقصف طهران ومعظم المدن الإيرانية نهاراً وليلا عندما قرر العراق المباشـرة بقصف المدن الإيرانية عام 1987 بعد ما تمادت إيران بقصفها للمدن العراقية منذ عام 1982 ولم تمتثل للتهديدات العراقية في هذا المجال .

 

ميج 25 استطلاعية وقاصفة

 

اليكم قصة هذا الصقر الشجاع في تنفيذ احدى المهام القتالية

بودي تذكير القارئ الكريم بان القصة التي سارويها هي من تنفيذ ذات الصقر الذي نفد المهمة الاستطلاعية المميزة على الساحل الايراني الغربي وصولا الى ميناء جاسك في المقال السابق ( صقر من بلادي/ 1).

يقول الصقر (؟) نُقلت مفرزة طائرتان من سربنا /97 ميج 25 استطلاع / قاصف  المتواجد في قاعدة تموز الجوية الى قاعدة علي ( الناصرية) الجوية لتنفيذ عدد من المهام من هناك لاسباب تتعلق بمسافة الاهداف المطلوب معالجتها وفق محدودية الطائرة .

في شباط / فبراير 1987 كلفت  بواجب التعرض لمحطة السكة الحديدية  في مدينة اصفهان  بحموله 2 طن قنابر ( اربع قنابر ) مع خزان وقود احتياطي ، على ان يكون وقت الوصول الى الهدف (  T O T ) مع الضياء الاول في الساعة 0400 بتوقيت العراق ( الفرق بين ايران والعراق حوالي 30 دقيقة تستبق شروق الشمس في العراق ، عليه يجب الطيران ليلا مع حساب وقت الاقلاع والتسلق والتسارع الى الهدف للوصول في الوقت المحدد في امر التكليف .

بعد برمجة المنظومات الملاحية للطائرة على الهدف المذكور وفي الساعة 0330 تقريبا اقلعت بطائرتي باتجاه الهدف والتسلق التدريجي الى ارتفاع 20000 م وبلوغ سرعة 2500 كلم / سا  بحدود تسع دقائق بمسافة ارضية مقطوعة بحوالي 170 كلم  ، استمر طيراني بشكل طيران افقي مستقيم ( تقطع كل 40 كلم دقيقة واحدة ) ، المسافة الكلية الى الهدف حوالي  800 كلم . (عادة يستخدم الحارق الخلفي في مثل هذه الواجبات منذ الاقلاع ولحين اكمال الواجب وحتى نقطة الانحدار

خطة الرحلة من قاعدة علي الى اصفهان

خارطة خط الرحلة ( قاعدة علي – اصفهان)

منطقة اصفهان

الجبال المحيطة باصفهان وتظهر مدينة نجف آباد

كمعلومة مفيدة للاسلوب التعبوي الذي كنا نستخدمة في الحصول على اقصى مدى للطائرة  كانت واجباتنا تكون بخط مستقيم الى الهدف لضمان  تصحيح  المنظومة الملاحية الارضية ( 180)ْ ، وبغرض الحصول على احسن النتائج يفضل الطيران (اوتوماتيكياً )لحين القصف الذي يكون ايضاً (اوتوماتيكيا) ، اما المسافة فكنا غالباً نتجاوز مديات هذه المنظومة  وتبقى الطائرة تسير على التصحيح الذاتي حتى الوصول للهدف المطلوب تصويره او قصفه ونتيجة هذا  التجاوز يتسبب  قلة في الوقود وعدم امكان عمل دورة ثانية للهبوط اثناء العودة في حال كان التقرب خاطيء او سوء الاحوال الجوية مما قد تضطر التحويل لمطار اخر ، واذكر ان احد طيارينا احدث انطفاء بالمحرك عند ملامسة مدرج المطار بسبب قلة الوقود ، في الحقيقة كانت واجباتنا مثار اعجاب الروس وكانو يقولون حطمتم مديات الميج/ 25 وياملون ان نعلمهم كيف يكون ذلك  وهذا للتاريخ اذكره وهذا بطبيعة الحال يتطلب صبر وهدوء اعصاب وشجاعة ، عليه لكل طائرة نقاط قوة ونقاط ضعف واحد عيوب الميج/ 25  الاستطلاعية (القاصفة) الجوانب المذكورة انفاً .

الغبش قبل طلوع الشمس

استمر طيراني المعتاد ولم يبقى للهدف سوى 200 كلم وبدى لي  منظر الغبش قبل ظهور قرص الشمس غاية في الروعة  فانا انتقل من الظلام الدامس في العراق الى  الضياء الاول في ايران ، المسافة الان  120 كلم والباقي للقصف 80 كلم كي اسقط قنابري على الهدف ، هنا كانت المفاجئة الغير متوقعة في هذا الارتفاع والسرعة العاليين ، بهذه المسافة (120) كم اهتزت الطائرة بشدة واصبحت الدنيا من حولي نهار وفصلت المنظومة الاوتوماتيكية للطائرة وحدث عندي شعور بان الطائرة قد اصيبت بمقذوف ارض جو ، او جو / جو ولكن اجهزة طائرتي لم تشعرني بتهديد معين يتطلب اتخاذ اجراء مناسب حياله كما يحدث في مثل هذه الحالات ،  بعد حين تبدد الضوء وسيطرة على الطائرة وكان قراري الاستمرار مادامت الطائرة مسيطر عليها واصبحت الحالة شبه طبيعية ، في المسافة المحددة للقصف (40 ) كلم عن الهدف تم القاء الحمولة وقمت باتخاذ اجراءات  العودة الى القاعدة .

في طريق العودة الى قاعدة علي

هبطت بطائرتي في الساعة 0430 تقريباً بقاعدة علي الجوية بسلام وكنت اشعر بتعب شديد وغير طبيعي كما هو الحال في الواجبات الاخرى ، اخبرت مهندس السرب باني تعرضت لهجوم من صواريخ ايرانية اكثر الظن انها ارض – جو ، وبعد فحص الطائرة كانت هناك اصابات شديدة ومرعبة استوقفتني عندها وحمدت الله على سلامتي وكيف ان هذه الطائرة العملاقة لم تتاثر بها ( وهذه حقيقة تمتاز بها الطائرات الروسية لقوة وسمك هيكلها) ، ابلغت قيادة القوة الجوية بالحادث وكانو مستغربين ان تصاب هذه الطائرة باسلحة ضد الجو وكيف يكون ذلك وهناك اجهزة انذار لم تنبه الطيار بها واشعروني باني على خطأ مما اثارني ذلك لعدم ثقتهم بكلامي واخبروني سيرسلون لجنة من مديرية سلامة الطيران لتقصي ذلك .

حضرة لجنة مديرية سلامة الطيران وسالوني اسئلتهم التقليدية عن خط  الرحلة والارتفاع وهل كنت استخدم منظومة التشويش ام لا  ، وكنت استنتج من اسئلتهم بانهم غير مجدين معي ولم  يعلموا مدى دقتنا في التعامل مع هكذا واجبات منذ عام 1985 ، سالوني عن ارتفاعي فكان اقل من 20000 متر لان منطقة اصفهان تحوي جبال بارتفاع 4000 متر وهذا يعني ان ارتفاعي الحقيقي 16000متر . في هذه الاثناء طلب السيد معاون قائد القوة الجوية للعمليات من رئيس لجنة سلامة الطيران الحديث معي ودار بيننا الحوار التالي :

معاون القائد  : الحمد لله على سلامتك يبدوا انك قد  اصبت بصاروخ جو – جو من طائرة ايرانية ؟

الصقر ( ! ) :   شكرا سيدي … سيدي اكثر الظن  بصاروخ ارض – جو .

معاون القائد   : لاتوجد صواريخ ارض – جو تصل هذا الارتفاع   .

الصقر(!) : سيدي لم تؤشر عندي منظومة التشويش اي اشارة او قفل لوجود صواريخ امريكية قد تكون صواريخ روسية !!!! .

معاون القائد  : لايوجد مثل هذا الكلام انت لم تكن منتبه ولم تفرق اذا كان التهديد جو او ارضي .

الصقر(!) : سيدي انا متاكد ان اصابتي بصواريخ ارض – جو  .

المهم لم يقتنع معاون العمليات ولا  لجنة سلامة الطيران باجوبتي لهم واعتبروني غير منتبه اثناء طيراني لما يجري حولي والحقيقة  اغاضني هذا الامر كثيرا وانا من نفذ عشرات الواجبات بكل امانة ودقة في هذه الطائرة العملاقة ، والذي اغاضني اكثر عندما طلبت القيادة  تنفيذ واجب تصويري لنفس المنطقة من قبل طيار اخر من السرب ، ولا اخفيكم كنت غير سعيد في  تنفيذ هذا الواجب بهذه السرعة  وعدم سعي القيادة للتاكد  من وجود اسلحة ارض – جو في المنطقة قد يستهدف هو الاخر .

طلبت مني عمليات قيادة القوة الجوية تهيئة طائرة ميج / 25 استطلاعية لتصوير منطقة اصفهان للتاكد مما قلته بوجود اسلحة ارض – جو في المنطقة ، وفعلا اجريت اللازم وارسلت الى عمليات قيادة القوة الجوية جاهزية الطائرة للطيران مع اسم  الطيار ( ث ص أ ) وذهبت الى غرفتي للراحة داعياً الله العزيز القدير ان يحفط الطيار منفذ واجب الاستطلاعي مما قد يحدث لاسمح الله .

طلبت مني قيادة القوة الجوية العودة الى قاعدة تموز والتمتع باجازة قصيرة للراحة  بعد قضاء وقت في المفرزة بقاعدة علي الجوية وارسلو لي طائرة ميج 21 لكي تقلني الى هناك ، اقلعت بها للقاعدة والالم يعتصر قلبي لما جرى .

بعد وصولي لقاعدة تموز بوقت قصير اتصلت معي غرفة حركات قاعدة علي واخبرتني  بان طائرة التصوير قد اسقطت بوسائل الدفاع الجوي الايراني في منطقة اصفهان !!!! ، تالمت كثيرا وتعصبت لعدم اخذ السيد المعاون و لجنة سلامة الطيران  بتقريري الذي اوردته بعد تنفيذ مهمتي آنفاً .

صواريخ الفولكا ارض - جو

صواريخ فولكا ارض – جو المدى الاقصى 45 كلم ، الارتفاع 25 كلم

 

اتصل  معي مدير سلامة الطيران يستمحيني بعد استهداف الطائرة لكني لم اسامحه حتى يومنا هذا ، بعد هذه الواجب لم تستخدم طائرة  الميج / 25 للواجبات دون التاكد من وسائل الدفاع الجوي المعادية بمنطقة الهدف  .

بعدها بفتره قصيرة ورد تقرير من المخابرات العامة عبر مديرية الاستطلاع والامن الجوية  بان الصين زودت ايران بمنظومة  صواريخ ارض – جو فولكا ، ويبدوا ان ايران قد وضعتها في اقصى ارتفاع للجبال المحيطة بها وهي 4000 متر ويعتقد بمدينة (نجف اباد) قبل اصفهان بحوالي 100 كلم ، السبب الذي لم تدركه قيادة القوة الجوية ان منظومة التشويش في الطائرة لاتتحسس ترددات الصواريخ الروسية ( الفولكا) ، وانما فقط الصواريخ الامريكية ( الهوك ) .

ولله الحمد فقد استطاع الطيار ( ث ص أ ) القذف من الطائرة بارتفاع 2000 متر رغم خطورته وتم اسره في ايران ثم عاد من الاسر بعد ايقاف القتال مع ايران .

ملاحظة

هذا الموضوع تؤاخذ عليه قيادة القوة الجوية بشدة خاصة بعد مرور سبع سنوات للحرب مع ايران ، ممكن ان نعذرها لوكان الموضوع في بداية الحرب مع ايران ولكن بعد ان اصبحت موازين القوى الجوية متفوقة عليها بدرجة كبيرة يحدث مثل هذا الحادث ، اين المعلومات الاستخبارية بعد ان تم تصوير الخريطة الايرانية كلها بطائرات الميج 25 والميراج ف1 بكل انواع الاستطلاع التصويري والالكتروني والراداري ، ان الخسائر بعد التفوق الجوي العراقي الساحق دلالة على اهمال واضح من قبل قيادة القوة الجوية التي اعتمدت المركزية المطلقة في ادارة اعمالها دون استشارة احد من القادة والامرين الاخرين في هذا الصنف المهم مع تحياتي .

احد صقور الميج / 25 الاستطلاعية / القاصفة .

ملاحظة 2

تشكر ادارة موقع شهداء سلاح الجو العراقي السيد مهند عبد الجبار الشيخلي للتصاميم الرائعة للمقال مع التقدير والامتنان